لم يكن سهلاً أن ترى جارك يقتل جاره، أو أن تسمع صوت طائرة تعلم جيداً أنها أتت لتقصف الأبرياء، لم يكن سهلاً أن تفقد منزلك، أو أن تمرّ بالمدرسة فتجدها مدمّرة مكتظة بالنازحين والجرحى، لم يكن سهلاً أن تفقد عزيزاً وتحيا وسط كل ذاك الموت!
أحد عشر عاماً مضى، لكنّ وقعه على الأنفس مازال حاضراً بقوّة، وقعه على الجميع دون استثناء، النساء اللاتي خسرن كل أحلامهن، والرجال الذين ذرفوا الدموع والدماء، والأطفال الذين ولدوا ولم يعرفوا بعد ما هو البيت وكيف يكون وجه الحياة دون الحرب.
كل هؤلاء تأثروا بالحرب والنزوح واللجوء بشكل أو آخر، منهم (القليل) من تجاوزها، أمّا الباقي يعيشون في دوّامة تلك المشاعر منذ سنوات، فلا استقراراً نفسياً ولا رغبةً بالاستمرار.
في اليوم العالمي للصحة النفسية، تقول رمزية بيطار مسؤولة بناء قدرات الحماية في إحسان، أنّ الوعي المجتمعي تجاه الصحة النفسية متوسط رغم حملات التوعية من قبل الإعلام والمنظمات الإنسانية ومواقع التواصل الاجتماعي، إذ يلجأ الناس عادةً للعلاجات التقليدية وإيلاء الاهتمام لتأمين الحاجات الأساسية المتوفرة بالحد الأدنى للنازحين، كما يلجأ الأهل أحياناً في بداية ظهور أعراض المرض النفسي إلى تفسيرها بالسحر والشعوذة والعين أو المس الشيطاني.
تضيف بيطار أنه رغم قلة الوعي الكافي إلّا أنّ عدداً جيداً من النازحين يسألون عن الأطباء النفسيين رغبةً في العلاج، خاصةً في حال معاناتهم مع أحد أفراد الأسرة بسبب مرض نفسي قد أصابه، لكنهم يتخوفون أحياناً من وصمة العار أو نظرة المجتمع المحيط.
تعمل إحسان للإغاثة والتنمية، إحدى برامج المنتدى السوري، على أنشطة متعلقة بالدعم النفسي الاجتماعي الترفيهي، كما تعمل بشكل مستمر على توفير الإسعاف النفسي الأولي للنازحين في الشمال السوري، وإحالتهم في حال اللزوم إلى مراكز مختصة بالدعم والعلاج النفسي، كما تعمل على توفير الدعم النفسي للناجيات من العنف القائم على النوع الاجتماعي.
توفر إحسان أيضاً مساحات صديقة للنساء والأطفال، يتم فيها تقديم خدمات وأنشطة متكاملة لهم، تعرّفهم بضرورة الاهتمام بالصحة النفسية والتفريغ وطرق التعامل المناسبة في حال التعرض للصدمات وكيفية التأقلم والتكيّف والبحث عن الخدمات النفسية والاستفادة منها.
تقول بيطار أنّ أكثر الأمراض النفسية التي تصيب النازحين هي اضطرابات التأقلم والضغط النفسي الحاد واضطراب الشدّة ما بعد الصدمة والقلق والاكتئاب وتصل أحياناً إلى نوبات ذهان.
يعاني الأطفال أيضاً من اضطرابات نفسية تتمثل في اضطرابات الشدة ما بعد الصدمة وفرط النشاط وتشتت الانتباه والاكتئاب كما يعانون من اضطرابات سلوكية مثل العدوانية وقضم الأظافر التبول اللاإرادي.
يشهد الشمال السوري حالات نفسية سيئة جداً بسبب النزوح والبعد عن الأقارب والوضع الاقتصادي المعيشي المتردي، مما يؤدي إلى انتشار ظواهر مثل تعاطي المخدرات والانتحار، حيث “شهدت المنطقة أكثر من 7 حالات انتحار بين الأطفال والشباب في الشهر الماضي” بحسب بيطار.
تؤثر هذه الأمراض النفسية على الاستقرار الأسري والاقتصادي وما يتسبب من نتائج اجتماعية كالبطالة والطلاق والعنف الأسري والفقر والتسول والانتحار وغيرها.
أظهر اثنان فقط من بين 393 شخصًا شاركوا في استطلاع قامت به مؤسسة بريطانية عدم وجود أعراض مرتبطة باضطراب ما بعد الصدمة في إدلب، آخر معقل للمعارضة ضد قوات الأسد.
في التقرير ذاته يظهر أنّ أكثر من 75٪ من اللاجئين السوريين قد يعانون من اضطراب ما بعد الصدمة الذي يعد من أكثر الأعراض النفسية التي قد يصاب بها الأطفال، وتلعب البيئة التي يعيش فيها الأطفال دوراً في تأزم وضعهم الصحي، مثل العيش داخل مخيمات اللجوء، أو في مناطق فقيرة.
في هذا اليوم نؤكد أنّ الاهتمام بالصحة النفسية لا تقل أهميةً عن الصحة الجسدية، وعدد السوريين الذين يعانون من اضطرابات نفسية يفوق الوصف، لذلك نعمل وسنعمل على تقديم الدعم المناسب للجميع.