في سوريا التي كانت وما تزال تعاني من حرب مستمرة لما يزيد عن سبع سنوات تجاوز فيها عدد الضحايا 500 ألف سوري، وتسببت في تشريد نصف السكان، وتضرر الدعامة الاقتصادية والزراعية في واحدة من أقدم بلدان العالم التي عرفت الزراعة وازدهرت فيها. ومنذ فترة ليست ببعيدة وقبل اندلاع الأحداث الأخيرة كانت الزراعة تشكل ربع الناتج المحلي وتعمل فيها ربع القوى العاملة في سوريا.
إلا أن الحرب والقصف الممنهج في المناطق التي خرجت عن سيطرة النظام السوري منذ 2011 قد دمرت البنية التحتية فيها كقنوات الري وصوامع الحبوب وغياب المنظومة الحكومية التي كانت مصدر تزويد المزارعين بالحبوب الزراعية وأنظمة التصريف للأسواق المحلية. كل ذلك أدى إلى تفاقم الأزمة الإنسانية في تلك المناطق.
مؤسسة إحسان والتي تهدف إلى تعزيز صمود المجتمعات المحلية في سوريا من خلال تقديم الخدمات التي تشتد الحاجة إليها، قد قامت بالتدخل لمساعدة المزارعين والأسر الأكثر ضعفاً في المجتمعات المضيفة للنازحين في محافظة إدلب لتعزيز قدرتهم على إنتاج المحاصيل والأغذية المتنوعة والضرورية لإطعام أسرهم وأطفالهم.
الدكتور منذر منسق برنامج الأمن الغذائي وسبل العيش في مؤسسة إحسان عبّر عن استراتيجية ورؤية المؤسسة للمشاريع التي تنفذها بقوله: “إن السلال الإغاثية والاستجابة الطارئة لا يمكن أن تستمر إلى الأبد، لذا لا بد من إطلاق مشاريع تساعد المجتمعات المحلية على العمل بأيديها لتلبية احتياجاتها من الأغذية. نحن نحاول أن نساعد الناس على الصمود والاعتماد على ذاتهم للبدء في توليد دخلهم الخاص.”
مشروع إحسان الجديد لدعم الزراعة بالتعاون مع منظمة ACTED الدولية يتضمن جانبين:
الجانب الأول يتم فيه تقديم الدعم لـ 3600 عائلة لزراعة الحدائق المنزلية من خلال تزويدهم بالبذور وشبكات الري بالتنقيط وخزانات وأدوات زراعية. هذا الجانب من المشروع سيمتد على مدة 3 سنوات بحيث يكون في كل سنة مستفيدين جدد، وستحصل كل أسرة مستفيدة على مجموعتين من مدخلات البستنة في السنة لموسمي الشتاء والصيف، وتكفي لمساحة حدائق حوالي 1 دونم وتوفر مكملًا إضافيًا للاحتياجات الغذائية لكل أسرة.
ويأتي تقديم المدخلات للمستفيدين على شكل قسائم موزعة على فصلي الصيف والشتاء، يمكن استبدالها بمجموعة أدوات ومدخلات لزراعة الحدائق تم تصميمها ودراستها مسبقًا واستبدالها عن طريق مؤسسة إكثار البذار بالتعاون مع المجالس المحلية في القرى المستهدفة. ستوفر هذه المجموعات المواد اللازمة للأسر لزيادة قدرتها على الوصول إلى الغذاء منخفض التكلفة وتحسين تنوعها الغذائي.
السيدة أم رامي تم تهجيرها مع أطفالها الأربعة من ريف حلب الجنوبي باتجاه محافظة إدلب، ولا تملك مصدر دخل بعد غياب زوجها منذ سنتين مما اضطرها للعمل في الأراضي الزراعية المجاورة للبلدة التي تسكن فيها، وهذا ما أثار اهتمامها لتقوم بزراعة قطعة الأرض الصغيرة الملحقة بمنزلها المؤقت الذي تقيم فيه مع أولادها بعد أن تم قبول طلبها للاستفادة من مشروع دعم الزراعة في الحدائق المنزلية الذي تقيمه مؤسسة إحسان.
تقول أم رامي: “أنا متحمسة جداً للبدء بزراعة الحديقة خلف منزلي، هكذا ستحصل أسرتي على الخضراوات التي تحتاجها في غذائها بدلاً من الحصول عليها بسعر مرتفع من السوق.”
كما يتضمن هذا الجانب إقامة مدارس حقلية للمزارعين يتم فيها تقديم 6 تدريبات عملية تجرى في الحقول للمزارعين خلال مدة المشروع . يتم فيها التركيز على الممارسات الزراعية والتطبيقات العملية والتقنيات الزراعية الذكية بشكل عملي. وستقام التدريبات كل سنة في موعدين، تدريب قبل موسم الزراعة وتدريب قبل موسم الحصاد كما سيتم استكمال التدريبات اللاحقة لتشمل تبادل الخبرات من السنة السابقة لتعزيز عملية المراجعة وتحسين برنامج الزراعة. وتشمل التدريبات مواضيع حول رعاية النبات وتقنيات الحصاد وتقنيات جمع البذور وإنتاجها حتى يتمكن المزارعين من الاستمرار بأنفسهم بعد نهاية المشروع.
وأما الجانب الثاني من المشروع فيهدف لدعم المزارعين بالفلاحة والتدريب في محافظة إدلب، حيث يتم تقديم خدمة الفلاحة لمزارعي الزيتون. ويسيتفيد من هذا النشاط 257 فلاح من مزارعي الزيتون متوسطي القدرة، أي ما يعادل 1250 دونم. بالإضافة إلى تقديم الدعم في زراعة القمح للمزارعين من خلال تزويدهم بالمدخلات الزراعية وإقامة تدريبات عملية لنحو 140 مزارع.